فيفيان سمير تكتب.. الهروب


في عالم مليء بالضغوط والتحديات، نجد أنفسنا أحيانًا نلجأ إلى الهروب من المشاكل وتجاهلها، في محاولة لتخفيف الضغوط والتوترات التي تعتري حياتنا. لكن هل حقاً يمكن للهروب من المشاكل أن يحلها، أم أنه يجعلها أكثر تعقيدًا وصعوبة؟
عندما نختبئ خلف ستار الهروب، قد نجد أنفسنا محاصرين في شباك المشاكل التي تنمو وتتفاقم مع كل خطوة نأخذها للابتعاد عنها؛ فالهروب قد يكون في البداية مفراحًا ومريحًا، لكنه سرعان ما يتحول إلى شبكة من العواقب والتعقيدات التي تعيقنا عن مواجهة الحقيقة والتغلب على التحديات، التي تبقى رابضة في انتظار أن تنفجر في وجوهنا وربما تفجر معها حياتنا بالكامل.
يلجأ البعض إلى الهروب كوسيلة لتجنب المشاكل والصعوبات التي تواجههم، تكبل هذه الشخصيات قيود الخوف والتردد، وتختبئ وراء الأعذار الزائفة لتبرر انعزالها عن المواجهة. قد يبدو الهروب خيار مغر في لحظة ما، حيث يوفر للشخص راحة مؤقتة من الواقع الصعب الذي يعيشه والذي يعتبر أحيانا مريرا ومرهقا، لكن عندما يلجأ إلى تجنب مواجهة المشاكل والتصالح معها، قد يجد نفسه في دوامة لا نهاية لها من التعقيدات والتحديات؛ فالمشاكل والتحديات هي جزء لا يتجزأ من حياتنا، وليس هناك حلولا سحرية تهبط من السماء، والهروب المستمر يمكن أن يؤجل الصدام والمواجهة، لكنه يؤدي إلى تعقيد الأوضاع، حيث تتراكم وتزداد صعوبة المشاكل مع الوقت، وبدلا من حل المشكلة، يبقى الشخص محاصراً في دائرة من دوامات العواقب والتعقيدات التي تنمو كالأعشاب الضارة، لتغزو حقول حياته الداخلية والخارجية، وتعيقه عن المضي قدما وتجاوز تلك المرحلة، بل تبقى كخيوط قوية تجذبه دائما للوراء؛ فالهروب ليس سوى تأجيل مؤقت للمواجهة، ولكنه لا يحل المشكلة بجذرها، بل يزيد من صعوبة إيجاد حلولا مستدامة، قد تكون الأسباب وراء هذا النمط السلوكي متعددة، منها الخوف من التغيير أو الخوف من الفشل أو الخوف من فقد شخص عزيز، أو إيذائه، هو ما يدفع تلك الشخصيات إلى التهرب والتجاهل، ولكن الحقيقة المرة هي أن المشاكل لا تُحل من تلقاء نفسها ولا تذوب وتتحلل مع الوقت، لكنها قد تتعقد وتتفاقم وتبتلع حتى الفرص التي قد تكون متاحة لحلها في مهدها، بل وتتكاثر وتفرز لنا المزيد من القنابل الموقوتة بحياتنا.
وقد يكون الهروب من المشاكل خطوة أولى نحو إيجاد حلا شاملا للمشكلة. قد يحتاج الشخص إلى لحظات هدوء وانفصال ليستعيد توازنه الداخلي ويبحث عن حلول مبتكرة للأزمات والمشاكل التي يواجهها. في هذه الحالة، يكون الهروب وسيلة للتأمل والتفكير العميق في كيفية مواجهة المشكلة بشكل أفضل والخروج منها بنجاح. إن الاستراتيجية المثلى ربما تكون في العثور على وسيلة توازن بين الهروب الضروري للاسترخاء والتفكير بهدوء، لنعطي فرصة للنور كي يتسلل إلى أروقة الظلام، لنجد حلولا إبداعية وبناءة، وبين مواجهة المشاكل بشجاعة وحلها بحكمة، مع الأخذ في الاعتبار تبعات الهروب التي قد تؤدي إلى تدهور العلاقات مع الآخرين، كما يمكن أن يسبب تجنب المشاكل والتعقيدات المصاحبة لتفاقمها زيادة في مستويات التوتر والقلق، مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية ويشوش التفكير بشكل عام، ليؤثر على كل قراراتنا حتى الحياتية البسيطة منها، وقد نفقد الفرص المتاحة لنا للتعامل مع المشكلة، فلا نرى الحلول المحتملة خلف الزاوية. فعندما نجتاز عتبات الصعوبات بشجاعة وثقة، نكتشف أن الحلول ربما كانت أقرب مما نعتقد.
إن مواجهة المشاكل بشكل إيجابي تتطلب رؤية واضحة وعقلية متفتحة، تستقبل الصعوبات بروح محاربة، تجعلنا ندرك أن الحلول تنبثق من داخلنا، من قوة الإرادة والإيمان بقدراتنا.
عندما نقترب من المشكلة بعقلية منظمة، نستطيع تحليل أسبابها وتأثيراتها بشكل دقيق ومنطقي، مما يمكننا من إيجاد الحلول المناسبة، فنبدأ بتحديد الأسباب الجذرية وتحليلها بشكل دقيق، لفهم الوضع بشكل شامل. ثم يأتي دور تقييم البدائل الممكنة والمتاحة لحل المشكلة، واختيار الحل الأمثل بناء على المعطيات العلمية والمنطقية، وبذلك نكون قادرين على تقسيم العملية إلى خطوات متتالية ومنظمة، تمكننا من حل المشكلة بكفاءة وفاعلية بعيدا عن الانفعالات العاطفية أو العصبية، ونتعلم من هذه التجارب دروسا تمكننا من التعامل مع المشاكل المستقبلية بشكل أفضل، وبهدوء وروية دون الذعر من مجرد فكرة وجود مشكلة.