د. اميرة محمد تكتب: هوية الفانوس


عاش الانسان على الأرض في تكتلات وتجمعات متعددة، كان لكلن منها عاداته المختلفة، التي تميزه عن غيره من باقي المجتمعات، وقلما يوجد تشابه بين مجتمع وأخر بنسبة مائة في المائة، ولكن يمكننا القول بأن معظم المجتمعات تشترك في الاحتفال بالعديد من المناسبات التي تكون ذات أهمية بالنسبة لها ووفق العادات التي تناسب وتتلاءم مع كل مجتمع على حدى، ونحن في مجتمعاتنا العربية خاصة والإسلامية عامة نحرص على الاحتفال بعدة مناسبات وفق ما يتناسب وعاداتنا الأصيلة ، التي وإن اختلفت في طريقتها، لكنها تتفق جميعا في جوهرها وهدفها السامي.
وهناك عادات يحرص المسلمون على القيام بها بكل حفاوة وترحاب وتتوارثها الأجيال مع وضع بعض اللمسات المختلفة للتتناسب والتطور الذي ينمو يوما بعد يوم، ،واخص من بين هذه العادات، الفانوس الذي يرتبط وجوده بشهر رمضان المبارك، فمن منا لم يعرف الفانوس، ومن منا لم يلعب في طفولته بالفانوس، فبالرغم من أن الفانوس كان يستخدم في السابق في الإضاءة، إلا أنه في وجهة نظري المتواضعة يعتبر رمزا من رموز الشهر الفضيل، فالفانوس كان يستخدم للهداية والإرشاد في الظلمات، وشهر رمضان هو من يهدي الأرواح الضالة المتهافتة على الدنيا وجمالها، ويرتقي بها إلى ما هو خير من ذلك وابقى.
وبالنظر إلى الفانوس بشكله البسيط التقليدي نجده عبارة عن ضوء شمعة أو مصباح صغير موجود بداخل مجسم محكم الغلق وشفاف بحيث ينفذ الضوء للخارج دون أن ينطفأ، وهكذا ينبغي أن يكون المرشد الحقيقي شفاف ومضيء، ونحن اليوم بحاجه ماسه لمرشد حقيقي، وليس بالداعي أن يكون مزخرف وبراق، بل من الضروري أن يكون شفاف ومضيء، فبيوتنا اليوم وللأسف الشديد أصبحت مظلمة رغم ما بها من مصابيح براقة ملونة، فلنجعل رمضان وما يرتبط به من فوانيس رموز وعلامات على الارشاد الحقيقي لنا ولمجتمعاتنا، وليتمسك كلن منا بفانوسه الأبدي، ذلك الذي ينير له الحياة التي باتت رغم ما طرأ عليها من تطور غير مسبوق مظلمة ظلام دامس، لمن ليس لديه فانوس يهديه، ولمن فضل أن يكون تابعا ساكنا لا ينتقي من يتبعه بدقة وعنايه بالغة.
فلنعد إلى هويتنا ولنشعل فوانيسنا التي انطفأ ضيائها منذ زمن بعيد، ولنغرس في نفوس بنينا العناية بإرثنا الثقافي وهويتنا العربية بدلا من قياس تحضرهم بمقاييس المعاصرة، تلك التي لا تعترف بإرث ولا موروث، بل كل ما تعرفه هو نسخ ونسج أفكار وأراء لا تصلح إلا لبناء فرد أشبه بالجاموس تأخذ خيراته مقابل إطعامه ولو كبر أو عارضك تذبحه ومن جلده تصنع احذية لقدمك كي تدوس على مجد قوم أصبح في التراب مغروس وبين طيات الكتب محبوس.
فلنجعل رمضان شهر مدروس وليقبل كلن منا ويشتري فانوس ويهديه لأبنه الصغير المحبوس بين ظلمات التقدم المعكوس قبل أن يصبح الإرث أمر منبوذ وتصبح أنت عزيزي الراعي شخص منحوس لا تليق بالعيش في المستقبل المحسوس ويتخلص منك ابنك ومن الفانوس بشكل طبيعي دون الحاجة لخطة أو لعقاب مدروس.