مارا احمد تكتب..الدايت ”نظام غذائي”
بوابة المصريينإنه اليوم الرابع لي في "الدايت" نظامي الغذائي، محاولة مني لأن أخسر عدة كيلوجرامات من وزني الـذي اكتنز به جسدي خلال الأشهر الأخيرة منذ هجوم "فيروس كورونا"، تلك الكيلوجرامات التي زادت من ثقلي ومن حمولات إضافية على ركبتي مما أضعف حركتي وأخل من توازن جسدي؛ فصرت بطيئة الخطى، خاملة؛ أعاني ملل الحبس اللاإرادي وما صاحبه من اكتئاب.
أقلب في الصفحات الافتراضية على الفيسبوك؛ ليمر أمامي صور ومنشورات لشكوى الكثيرات والكثيرين ممن تضرروا وتضررن من الحظر والجائحة، هؤلاء الذين لا يعرفون معنى كلمة الادخار؛ فما يكسبونه يكفيهم يوما واحدا فقط، يعيشون اليوم بيومه كما يقولون.
هالني استنجادهم بالموت، فهناك الكثير من الطلبات التي لا تكف عن فك الحظر والكثير من المخالفات والمحاولات لكسره، أنهم يطالبون بإتاحة الفرصة لهم في أن يجربوا حظهم مع الحياة والموت؛ ففي كلتا الحالتين هم ميتون.
إن أغلقوا الأبواب فسيموتون جوعا، وإن فتحوها سيموتون مرضا؛ "فالكورونا من ورائهم والحاجة من أمامهم".
وهناك على الجانبين أصوات تعلو لمجموعات بعضها عاشق وساجد للأمير وعبقريته ولمساته الإلهية التي ستحلب من أثداء السماء أكسير الحياة، والبعض الآخر يلعن ويسب في تآمره على الشعب والأرض بل والفضاء.
على مرمى الصورة، على الشاشة سيدة ترتدي العري، تتأنق بقليل الثياب وكثير المساحيق ويتسرسب من خديها حمرة الغذاء الصحي والمياه الصحية والهواء الصحي؛ تسب الجهلاء والفقراء الذين لا يبالون بالجائحة ومتمردين على الحظر ويتحركون بلا قفازات أو كمامة أو مطهرات، متهمة إياهم بالجشع والأنانية، ويا لها من بجاحة منها ومن مثيلاتها حين يتحدثن عن الجشع ...! لم أسمع صرخاتها يوما حزنا على طفل قتل أباه نفسه خجلا من عجزه أن يكفله وأمه، لم أسمعها تسب الفقر والجهل والفساد يوما، ذات يوم تزعمت تلك النجمة مسيرة تندد فيها بقتل كلب هاجم طفلا وقضم فخده، ونددت بضرب الحمار الذي يجر عربة كارو يعاني سائقها من الهزال والبطالة، كنا نشيد بقلبها الرحيم على الحيوان الذي لاحول له ولا قوة؛ لكن أبدا لم نسمع صوتها ينادي بحق الإنسان في احترام إنسانيته وحقه في أن يتلمس طاقة نور ينفذ منها ليتكسب لقمة عيشه وأن تتوافر الشقق بأسعار تناسب الدخول الهابطة ولا بحق المرأة العاملة أو تلك التي تعول أسرتها -إما لمساعدة زوجها أو لموته أو طلاقها- بحقها في أن يتعامل معها المجتمع بقليل من الرحمة والرأفة.
أغلقت هاتفي والفيسبوك وأمسكت بكتابي الذي شرعت في استكمال حبكته الأرستقراطية؛ فأنا أهدف إلى نيل جائزة الدولة التقديرية عن عملي هذا؛ العاشر في فن الرواية المعاصرة وما أبدعته ثقافتي من رسم صور لأبطال روايتي الساكنين القصور والذين يعانون من اختراق الرعاع لمجمعاتهم السكنية "الكومباوند" وتلصصهم على بناتهم وزوجاتهم المستلقيات عرايا؛ تخففا من تخمة الملبس والحر على ضفتي حمام السباحة الحصري، وسرقاتهم المتتالية للفريجيدير والديب فريزر المكتظين بأطايب الجنة، وكأنهم استأثروا بمائدة السماء وبركات الأنبياء.
ألقيت نظرة على صورتي المنعكسة على مرآة غرفة نومي لأرى كائنا سمينا يعاني فائض البروتين والكربوهيدرات والبرود.
أمسكت بصفحات كتابي ذي الألوان المخضبة بالثراء ومزقته، ثم ألقيت به في وعاء القمامة الذي يحتوي على بقايا لحوم ودجاج وتوست بايت؛ فلا يجوز أن نكتب عن الحياة في القصور وشباب وشيوخ يتم تعبئتهم في أكياس سوداء ويتم إلقاء جثامينهم في رعب من العدوى في سرية دون وداع، ونحن نتشدق بالصور البيانية وصحيح اللغة.
أمسكت بهاتفي وشجبت العري الاختياري والتخمة، وأعلنت صومي عن الثلاجة والكتابة حتى تغادرنا الكورونا وننزع ألسنة السحرة الذين تفننوا في إلقاء تعاويذ -من فوق منابرهم المستأجرة-غير مفهومة على آذاننا وأعيننا فأغشتنا وأصمتنا وجعلتنا نرى المجارير أنهارا مصبها الجنة، وضعت قدمي في خف بسيط ونزلت لأجلس بجوار الرافضين للحظر والجوع والسقاية من ماء البالوعات والشاشات المتلونة، لأناصفهم الموت أو الحياة.