د. رشا محمد تكتب: التربية بالحدوتة: سر غرس القيم في القلوب قبل العقول


حينما أرادت والدة السلطان محمد الفاتح أن تربي ابنها ليكون مختلفًا، لم تكتفِ بالنصح والكلمات، بل وضعت في قلبه قصة حلم. أحضرت له معلمًا صالحًا وربته على حديث نبوي شريف لطالما تردّد في البيت:
"لتفتحنّ القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش."
وكانت تهمس له: "أنت هو الأمير الذي بشر به النبي."
كبر الطفل وقلبه مشغول بهذه القصة، وعقله يتشكل على معنى البطولة وتحقيق وعد رسول الله.
وفي عمر الحادية والعشرين، أصبح محمد الفاتح فاتح القسطنطينية، وحقق القصة التي بدأت حلمًا في حضن أمه.
ما معنى القصة؟
هذه ليست فقط حكاية بطولية، بل درس عميق في التربية بالقصة.
القصة هنا لم تكن للتسلية، بل كانت طريقة لبناء الهوية، وترسيخ المعنى، وغرس القيم في وجدان طفل صغير.
لماذا نربّي بالقصة؟
لأن القصة تعلّم دون أن تأمر.
تمرّ عبر العاطفة فتُثبّت في الذاكرة.
تحفّز الخيال وتزرع المفاهيم المجردة في صور حية.
تساعد الطفل على فهم الحياة، وتمييز الخير من الشر.
حواديت جدتنا… مدرسة تربوية فطرية:
هل تذكر "حدوتة قبل النوم"؟
حكايات الغولة، والولد الشجاع، والبنت الطيبة التي يكافئها الله…
كلها لم تكن قصصًا عابرة، بل كانت وسيلة لتعليم الشجاعة، الصدق، والرحمة، بطريقة محببة لا تُنسى.
جدتنا كانت تربي قلوبنا بالحدوتة… بصوتها، ونبرتها، وحضنها الآمن.
الدراسات تقول: القصة تصنع الفرق
تشير دراسة صادرة عن مركز Harvard’s Center on the Developing Child إلى أن:
"الأطفال الذين يسمعون القصص بانتظام يطوّرون مهارات لغوية وعاطفية أعلى من غيرهم."
وفي تقرير صادر عن اليونيسيف، جاء أن:
"سرد القصص من أكثر الوسائل تأثيرًا في ترسيخ القيم لدى الأطفال، وتعزيز التواصل الأسري."
ولأننا كلنا كبار وصغار بنحب الحدوتة…
نحن نحب القصص لأنها تلمس مشاعرنا، وتفتح فينا باب التأمل.
ولهذا نقرأ الروايات، ونتأثر بخطب تحكي لنا عن بشر مثلنا عاشوا وتغيّروا.
في الحقيقة، أنجح طرق التدريب وتغيير السلوك للكبار تعتمد على استخدام "القصة".
الختام: احكي علشان تربي
لو عندك طفل، احكيله حكاية كل يوم.
لو أنت معلّم، اربط الدرس بحكاية.
لو أنت أم أو أب، اجعل من كل موقف قصة تربّي بها عقلًا وقلبًا.
الحدوتة مش تسلية… الحدوتة تربية، وبذرة بتزرعها في القلب وتثمر على مهل.