د. أميرة محمد تكتب: الحكمة


منذ أن خلق الله الانسان ، وهو باحث ومنقب عن الكثير من الأمور التي هي ولا شك ضرورية لكي تستقيم حياته والتي وإن طالت قصيرة، ومن هذه الأمور ما هو مادي ملموس وهناك ما هو معنوي محسوس، ولا يمكننا أن ننكر أن كلاهما ضروريان لحياة الانسان، فالأمور المادية كالمأكل والمشرب والملبس... هامة لبقائه على قيد الحياة، لكن الأمور المعنوية التي وربما لا تبدو للكثيرين أنها ذات تأثير على حياة الانسان، إلا أنها في الحقيقة ذات تأثير قوي على قوة المرء الروحية والجسدية.
والحقيقة أن جل الأمور المعنوية يصل إليها الانسان متى اطلق العنان لتفكيره القويم، ذلك الذي يميز إنسان عن أخر، فالعقل كالعين إما أن يكون مبصرا حقا أو أن يكون كفيفا صدقا، وكلا الحالتين يتحققا باختيار الانسان ما دام لم يكن هناك أمر خِلقي يؤدي إلى خلل عقلي، وهذا يكون أمر خارج عن إرادة الانسان، وقد قررت أن اطلق العنان لتفكيري في محاولة لأن اسمو وارتقي لتلك الأمور المعنوية، التي قد تبدو للكثيرين أنها أمور معنوية مثالية لا تتفق والواقع الحقيقي، وبالفعل لا انكر أنها مثالية مائة في المائة، ولا يوجد إنسان قد جمع كل هذه المثالية والأمور المعنوية بالكامل سوى النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد اثرت الحديث في مقالي هذا عن إحدى فواكه بستان المعاني المحسوسة قلبيا آلا وهي الحكمة.
فالحكمة كلمة جلية كثيرا ما تقع على مسامع الكثيرين، لكن القليلين هم من يقفون انصاتا لتلقي هذه الكلمة الذهبية وإرسالها للعقل؛ ليتدبرها بدراية وعناية شديدة، فالحكمة هي المحاولة التي لابد أن تُبذل لإرجاع العقل إلى صوابه وسبيله الوحيد متى أخطأ أو كثرت او ضلت به السبل، ولست بصدد وضع معنى لغوي او اصطلاحي أو ديني للحكمة، بل ما اردته هو التعبير عنها بما هو متاح وممكن وبسيط لي وللقارئ العادي، فربما توجد الحكمة كصفة جلية في شخص ما دون أن يدري أن هذه الصفة هي حكمة في حد ذاتها، فالصدق حكمة، وحسن الظن حكمة، والكرم حكمة، والتسامح حكمة، وكل ما يظهره ويحرص عليه المرء من صفات حميدة ومعاني سامية هي إحدى بوابات الحكمة.
وهناك عدة أسئلة تطرح نفسها وبقوة، ولكن سأنتقي أبرزها وهي ما يلي: أين توجد الحكمة؟، كيف نعيد إحياء الحكمة؟، وأخيرا كيف ننمي الحكمة
وفيما يخص الإجابة على السؤال الأول: فمن وجهة نظري أن الحكمة بداخل كل إنسان، لكنها لا تظهر إلا إذا غذى الانسان روحه بالمعاني السامية ، التي باتت وللأسف الشديد مجرد اقوال لا تتفق مع أفعال صاحبها في كثير من الأوقات، فالبركان يخرج من داخله اغلى الأحجار الكريمة واندر المعادن، وهكذا الانسان يحوي بداخله كنوز لا حصر لها، وهو الوحيد القادر على اكتشافها بنفسه متى أراد فعل ذلك.
وللإجابة على السؤال الثاني: فالحمد لله الذي جعل إحياء المعاني وخاصة البناء منها أمر ممكن، لكن المهم هو إيجاد الطريقة المناسبة والملائمة لأحياء ذلك، والحكمة من اليسير احيائها، والبداية تكون بتنقية وتهيئة العقل لاستقبال ذلك أولا، ثم الثبات والمواصلة ثانيا، والتدبر والتأني ثالثا وبذلك ستصبح الحكمة جزء اصيل في الشخصية ولاسيما أن منبعها سيكون العقل ، وشريان قوتها سيستمد من القلب.
وتأتي الاجابة على السؤال الثالث: باتباع أسلوب الزراعة في الأراضي الخصبة، وهنا اقصد الأطفال، فغرس قيم ذات معنى في الطفل أفضل وسيلة لتفشي الحكمة وللقضاء على الضلال الذي قد يكون قد تسرب في نفوس الكبار من جهة أخرى.
فاللهم حكمة تجوب البلاد، وتعيد إليها الامجاد، وتكون صفة رئيسة في الاحفاد؛ كي نحيى مرة أخرى أسياد.