د. رشا محمد تكتب: الإيجابية السامة: حينما تتحول عبارات التشجيع إلى عبء نفسي
بوابة المصريينيمر كل فرد منّا بلحظات حزن أو خيبة أمل، كفقدان وظيفة، فشل دراسي، مرض، أو حادث مؤلم يترك بصمة في النفس. في خضمّ هذه المشاعر السلبية، نلجأ غالباً إلى من نثق بهم لنبثّ لهم شكوانا. لكن في كثير من الأحيان، نجد ردوداً مشجعة تحثّنا على "التفاؤل"، وتقديم عبارات إيجابية تُشبه محاولة وضع ضمادة على جرح عميق. هذا النوع من الإيجابية يُعرف بـ"الإيجابية السامة"، حيث تُغطى المشاعر السلبية بعبارات سطحية بدلًا من منحها الفضاء الكافي للتعبير.
تُعرِّف الإيجابية السامة بأنها نوع من القمع العاطفي؛ حيث يُمنع الشخص من إظهار مشاعر كالحزن والغضب، بحجة ضرورة التمسك بالأمل والتفاؤل. كما ترى عالمة النفس ليندا شو أنّ المجتمع اعتاد تصنيف المشاعر بين "إيجابية وسلبية"، بينما جميع المشاعر لها قيمة إنسانية أساسية؛ فالخوف والغضب طرق بدائية تساعدنا في البقاء وتحقيق الصحة النفسية. تضيف شو: "ليس هناك مشاعر جيدة أو سيئة، جميع الحالات العاطفية ضرورية لتجربتنا الإنسانية".
ساهمت كتب كـ"السر" لروندا بايرن، الذي نشر "قانون الجذب"، في ترسيخ فكرة أن التفكير الإيجابي يجذب الخير. ولكن، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن هذا المنهج قد يترك تأثيرات سلبية، حيث أن تجاهل المشاعر الحقيقية كالحزن والخوف قد يزيد من الضغوط النفسية ويعطل عمليات الشفاء العاطفي.
إن قمع المشاعر قد يسبب اضطرابات نفسية كالقلق والإرهاق، كما يحذر المتخصصون من أن التمسك بالإيجابية قد يؤدي لآثار عميقة، كالخزي والشعور بالذنب. تشير شو إلى أن "إخفاء المشاعر يشبه تجاهل ألم جسدي مزمن، مما يؤدي إلى تفاقمه مع مرور الوقت". وتؤكد على أهمية الاستماع للآخرين وفهم مشاعرهم بدلاً من تهميشها بعبارات ساذجة.
ومن أبرز مظاهر الإيجابية السامة:
رفض المشاعر الصعبة: يُعد اعتبار مشاعر مثل الغضب أو الحزن "سلبية" وقمعها بحجة التمسك بالإيجابية قمعاً للعواطف الأساسية.
الشعور بالذنب تجاه المشاعر: عندما تُقنع نفسك بضرورة تجاهل مشاعر غير مريحة، قد تشعر بالذنب عند ظهورها.
التظاهر بالامتنان: يصبح الامتنان وسيلة للهروب من المشاعر العميقة، وهو ما يبعدنا عن تقبّل واقعنا العاطفي.
التبرير الروحاني: مثل تبرير كل شيء بالقول "كل شيء يحدث لسبب ما" دون مواجهة المشاعر الحقيقية.
وفي النهاية، ينصح الخبراء بتقبّل مشاعرنا الطبيعية والتحدث عنها بصراحة مع أصدقاء مقربين أو مع مختصين نفسيين؛ حيث يتيح التعبير عن المشاعر فرصة للتخلص منها بطريقة صحية وآمنة دون الحاجة لإنكارها أو قمعها.