في ليلة حالكة السواد، غادرة فيها النجوم والكواكب والأقمار السماء. أكتب كلماتي هذه ويداي ترتجفان من بشاعة الجريمة التي ارتكبت في تلك الليلة والشجن في قلبي أعمق. في ظلام الليل يتسلل شخصان بيتا من أجل اختطاف طفلا من فراشه، ويقومان بتعذيبه ويصرخ الطفل ويستغيث وخيال الموت منتصب ويده الهائلة تجرفه إلي الهاوية. في ظلام تلك الليلة يسير الموت وليس بيننا من يستطيع الوقوف أمامه. تلك الليلة من ايام شهر أغسطس عام 1955 اهتزت ولاية ميسيسيبي الأمريكية علي وقوع أبشع جريمة قتل عنصرية. جريمة ذهب ضحيتها الطفل الأمريكي ذو الأصول الأفريقية إيميت تيل الذي لم يتجاوز عمره أربعة عشر عام. الأفارقة المستعبدين جلبتهم تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي إلي الولايات المتحدة الأمريكية ليعيشوا عنصرية أعطت الامريكيون البيض امتيازات وحقوق انحصرت لهم فقط دونا عن كل الأعراق الأخري، منح الامريكيون الاوربيون( خاصت البروتستانت الأنجلو سكسونيون البيض الأغنياء) امتيازات حصرية في مسائل التعليم والهجرة والمواطنة....الخ طوال التاريخ الأمريكي وباقي المهاجرين تعرضوا لحالة إقصاء وغيرها من أشكال التميز العنصري. هذا هو المناخ الذي عاشت فيه ثلاث نساء نبغى في علم الرياضيات وهن من أصول أفريقية، يعملن في وكالة الفضاء الأمريكية في فترة نشأة برنامج الفضاء وهن ( كاثرين جي ) و ( دوروثي فوغان ) و ( ماري جاكسون ) وهن ثلاث نساء عبقريات في زمن اضطهاد البيض للسود وأيضا التقليل من شأن المرأة، فعمل المرأة البيضاء السكرتارية والمكتبات. كاثرين وماري ودوروثي تخطين انتقادات المجتمع من حيث الجنس والعرق لتصبحن العقل القائد المنظم لأبحاث الفضاء وتحقيق نهضت في المجتمع الأمريكي ومهدوا الطريق لغيرهن من النساء في حقبات زمنية تالية مثل العالمة المصرية تهاني عامر ابنت القاهرة التي تخرجت من كلية الهندسة وحصلت علي البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية ونالت درجة الماجستير في هندسة الطيران والدكتوراه في هندسة المركبات الفضائيه من جامعة اولد دومينيون بولاية فرجينيا.
ولدت تهاني سنة 1965 بالقاهرة، حصلت علي الثانوية العامة وكانت تخطط لدراسة الطب ولكنها غيرت تخصصها الي الهندسة قبل الالتحاق بالجامعة. في سن السابعة عشر تزوجت وانتقلت الي الولايات المتحدة الأمريكية عام 1983.
اكتشفت عامر شغفها الطبيعي ومالها للهندسة أثناء مشاهدة والدها يصلح محرك سيارته في شقتها الصغيرة في القاهرة. في امريكا درسة التفاضل والتكامل في أول عام وهي لا تستطيع التحدث بكلمة واحدة باللغة الإنجليزية ورغم ذلك تفوقت. حصلت علي زمالة في العلوم لمدة عامين وهي تعتني بطفلين، ورغم المسؤوليات الأسرية اكملت دراسة الهندسة الميكانيكية ثم الماجستير في هندسة الطيران ثم درجة الدكتوراة.
بدأت العمل في وكالة ناسا عام 1992 خلال السنة الأخيرة في كلية الهندسة من خلال فرع ديناميكا الموائع الحسابية، من خلال عملها في هذا الفرع اكتسبت خبرة قيمة وحققت حلمها بالعمل مع علماء وباحثين لحل مشاكل الحياة الواقعية.
رغم أنها امراة ومسلمة وعربية، في مجتمع تعرض لهزة قوية في أحداث 11 سبتمبر عام 2001، تعرض المسلمون الي اضطهاد واقصاء وتنامي مشاعر الكره والعنف ضد المسلمين في امريكا. تنامي مشاعر المعادية للمسلمين حيث يوجد اعتقاد أن الإسلام يشجع علي العنف، لكن خلال العشرين سنة التالية للأحداث سبتمبر كانت فترة مشرقة للمسلمين في الولايات المتحدة وتعززت مكانتهم فى المجتمع الأمريكي بشكل غير مسبوق، مثل العالمة المصرية تهاني عامر التي تقول( أعتقد أن وكالة ناسا هي بمكانة وسادة ناعمة تسمح لك بالحلم بالمستحيل ثم العمل بجد لجعل حقيقة).
لدي تهاني ثلاث مبادئ تعيش علي أساسهم الأول أرض الله، وسوف ترضي الجميع، الثاني التعليم هو مفتاح الفرص، الأخير خدمة الآخرين بالرحمة واللطف. هذه المبادئ البسيطة هي توجيهات عامر حول القيم والأخلاق وتقرير المصير من خلال التعليم والشعور بالمسؤولية الإجتماعية.
تشارك تهاني عامر في عديد من برامج خدمة المجتمع من خلال مساعدة في تثقيف الامريكان وسد فجوة يعاني منها العديد وفهم الدين الإسلامي بشكل صحيح، وأيضا التطوع بوقتها في خدمة المجتمع من خلال برامج ناسا مثل يوم الرعاية واسبوع الهندسة ويوم التنوع، تحدثت عامر عن المرأة في الإسلام خلال أسبوع السلام في جامعة اولد دومينيون عام 2011 من خلال دورها التوعوي.
حصلت علي براءة إختراع لنظام قياس التوصيل الحراري لفيلم رقيق يستخدم هذا القياس في النمذجة الحرارية للعديد من التقنيات في أبحاث الطيران التابعة لوكالة ناسا.
تسعي العالمة المصرية تهاني عامر دائما إلي تحسين نفسها والآخرين وتحدي نفسها من خلال عملها مع وكالة ناسا.
كل منا في داخله عملاق، الإبداع في كيف توقظه؟.