فيفيان سمير تكتب: المربع السحري
بوابة المصريينفي ظل سعيك الدائم للقيام بمسؤولياتك، تتلاطم أمواج الحياة بتنوعها وتعقيداتها، تاركة وراءها أثراً من الضغوط التي تثقل كاهلك يوماً بعد يوم، حيث تتقاذفك الأمواج العاصفة وتركض أفكارك في متاهات التشتت بين مختلف الاحتياجات والمتطلبات، وحيرة تلبيتها وتسديدها؛ فيصير القلب المضطرب والعقل المرهق رهائن للضغوط اليومية، ويتبخر إحساسك بذاتك تحت وطأة الحياة العصيبة، التي تجعلك تدور في ساقيتها مغمض العينين، واضعا اهتماماتك الشخصية في ذيل القائمة، أو ربما خارج القائمة من الأساس، وفي النهاية لا تجد لها الوقت الكافي أو القدرة أو حتى الرغبة الحقيقية في القيام بها. ويظل النداء الصامت للاسترخاء والتفرغ بعض الوقت لرغبات النفس المرهقة واحلامها المؤجلة، مطمورا تحت ركام المشاكل والتحديات اليومية. تتحول الأيام إلى سجن من الروتين والتعب، يتلاشى السحر من حياتك وتفقد الألوان بريقها الجذاب في أعينك المتعبة، تغيب المتعة، وتتحول الأحلام إلى أشباح تطاردك، أو ربما تطاردها أنت بخيالك تحت ظلال طبقات الروتين والاعتياد الجاثمة على قلبك، لتجعل أوقاتك ضيق دائم وكآبة بل غضب وثورة في ظاهرها غير مبررة، لكن باطنها احتياج غير مشبع، وعقل محاصر في شباك الضغوط، وروح تتوجع بصمت بين جنبات حياة جافة قاسية، وتحديات متجددة كل صباح بلا نهاية.
هنا تظهر أهمية المربع السحري، هذا المأوى الهادئ والمنعزل في أعماق ترتيبك الذهني، الذي يمثل ملاذاً أمنا من صخب العالم الخارجي، مكاناً تهرب إليه لتستعيد هدوءك الداخلي وتفرغ أعباء الحياة اليومية، حيث تجد السكينة والاستقرار الذي يحتاجه عقلك المتعب. في هذه المساحة الخاصة، تستطيع أن تنظف ذهنك من التشتت والضوضاء، تمتلك الفرصة للاسترخاء العميق وتفريغ الضغوط النفسية التي تراكمت عليك، إنها فترة من التأمل والتفكير، تمكنك من استعادة الهدوء الداخلي وإعادة ترتيب أفكارك وأولوياتك بشكل صحيح، مما يمكنك من إعادة توجيه تركيزك نحو الأمور الجوهرية والهامة.
ذلك المربع السحري الخاص بك أنت وحدك، تملأه بما يشبعك ويحرر نفسك من الطاقات السلبية، ويحقق لك الرضا عما تفعل، اتخذ خطوات تساعد على تحسين شعورك نحو ذاتك. تعلم مهارات جديدة أو استكشف اهتماماتك في المجالات المختلفة منها الثقافية والرياضية والفنية، المهم أن تمارس ما تستمتع به. ابدأ بإعداد قائمة بالأشياء التي تحب القيام بها، وحاول أن تفعل كل يوم شيئًا من تلك القائمة يجدد حيويتك ويعطيك الرغبة في يوم جديد.
يعد الاهتمام بالهوايات والأنشطة أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على صحة الذهن والروح. إن الوقت الذي يقضيه الإنسان في القيام بنشاط يحبه ويستمتع به ليس وقتًا للترفيه، بل يعتبر سبيلًا لتحقيق التوازن النفسي والعقلي. فهو يمنحنا الفرصة للابتعاد لحظات عن ضغوط الحياة والتفكير في أمور تسعدنا وتثري حياتنا، وتسمح لنا بالتواصل مع أنفسنا واكتشاف جوانب جديدة من شخصيتنا، بل هو بالأكثر احتياج لتفريغ الطاقات السلبية والاسترخاء الذي يعيد تجديد الحيوية والنشاط؛ فعندما يستمتع الشخص بممارسة نشاط يحبه، يمكنه ذلك من إطلاق طاقاته الإيجابية ويحفز الإلهام والإبداع، حيث يمكن للشخص أن يكتشف قدرات جديدة تساعده على تطوير ذاته، كما يزيد من مستويات السعادة والرضا والاحتمال، ويخلق شعورًا بالإنجاز. هذا بدوره يساهم في تقدير الذات وزيادة الثقة بالنفس، وبالتالي الشعور بالاطمئنان وتحمل تحديات الحياة وأزماتها بشكل أفضل، والتعافي بشكل أسرع من التجارب السلبية، مما يؤثر إيجابيا في الأداء بالعمل، وفي طريقة التفاعل مع الناس، وأيضًا في قدرة المرء على التأثير في الآخرين.
لذا، يجب أن نخلق هذا المربع السحري ونفرضه على جدول حياتنا، حيث يكون موعدنا مع عالمنا الخاص، لنتخفف من همومنا اليومية ونولي اهتمامًا خاصًا لهوايتنا أو نشاطنا المفضل، ونمنح أنفسنا الوقت الكافي للاستمتاع به والاستفادة من فوائده. إنه استثمار هام في الذات، يعود بالفائدة على الصحة النفسية والذهنية، ويساعد في تعزيز الشعور بالسعادة والتوازن في حياتنا، ويمنحنا القوة والحكمة لمواجهة تحديات الحياة، حتى لا يبقى القدر المغلق يغلي والنار تأكله إلى أن ينفجر قاذفا ما بداخله في كل اتجاه مدمرا كل ما حوله.