الإثنين، 28 أكتوبر 2024 03:23 مـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

د. نرمين سعد الدين تكتب : رسائل هرميس

د. نرمين سعد الدين
د. نرمين سعد الدين


في الميثيولوجيا اليونانية ( هرميس ) هو رسول الآلهة، كان هرميس أبن لكبير الآلهة زيفز أو كما نطلق نحن من العامة عليه زيوس من إمرأة أدمية، مثله مثل أخيه نصف الشقيق هراكليز ، ولكنه لم يكن يتمتع بالقوة والفتوة مثل هراكليز ، ولا يحمل مثل بقية أخوته من الآلهة من الأم هيرا صفات الآلوهية، فوكل إليه أبيه بمهمة إيصال الرسائل منه وإلى بقية أخوته، وإيصال الرسائل بين السماء والأرض، ومنذ دراستنا لتلك الشخصية أطلق صديق لي رحمة الله عليه اسم هرميس ممازحاً معي خاصة لأني كنت أنطق اسمي بكثير من السرعة فيسمعه بعض من الأساتذة ( لميس ) وليس نرمين سعد، وذات يوم سمعها أحد الزملاء نرميس فمزح معه وقال له لا هرميس، فتفق ذهنه من حينها أن يخترع تلك المزحة ومن وقت لأخر كان البعض يمازحنني بهذا الاسم أيضا
واليوم عندما سنحت لي الفرصة أن أكتب بعض من المقالات على بوابة المصريين بشكل دوري ولأنها مختلفة المحتوى وليس تاريخا فقط، فن، ثقافة، أدب، خواطر، قصص ودراما، بالأحرى تعليقات مني أو رسالة خاصة أحب إيصالها عبارة عن خاطرة، شيء من نقد أو رأي شخصي لعمل ما شاهدته أو عايشته، تعليق على موقف مر بي أو بأحد ما رأيته ، تعليق على حدث سياسي أو أحداث جارية، تساؤل ما في ذهني، أو بعض كلمات تحمل مكنون نفسي أو شيء نزف قلبي أو تجاربكم سبق ونشرتها على الفيس بوك تحت هاشتاج نوريات، وهي باختصار رسائل، قصرت مساحتها أم طالت حسب الموقف أو الموضوع ،سوف أطلق عليها رسائل هرميس
أي أن تلك المقالات ستكون عبارة عن رسائلي إليكم، أتمنى أن تتحملوها وتتحملوني، الرسالة الأولى :.
العمارة الإسلامية في أوروبا الشرقية
أن انتشار الفنون الإسلامية أروع ما حدث في تاريخ البشرية، فقد عم أجزاء كبرى من العالم، وكما تأثر الفن الإسلامي من فنون سابقيه كالبيزنطي والروماني والساساني وغيره أثر هو الأخر بدوره في غيره، إلا أنه اقتبس منهم وطورهم وأضاف عليهم إضافات اصبحت من أهم خصائص الفن الإسلامي، ويعتبر الفن عموما والمعماري بشكل خاص من الاثار التي خلدت التاريخ.
والعمارة الإسلامية العربية المفعمة بالجمال حيث القباب والمقوسات والنقوش على الاسطح الحجرية وغيرها، والفسيفساء وأنواع الزخارف الجميلة أثبتت حضورها بين فنون الأمم الأخرى، حيث لعب الفن المعماري الإسلامي دوراً كبيراً في خلق حوار حضاري متميز استطاع تقديم الوجه الحقيقي لحضارته من خلاله.
فأوجدت الحضارة الإسلامية دورا للتواصل بين الثقافات والحضارات عن طريق التأثير في الفنون الأوربية بالفنون الإسلامية، فاستندت الحضارة الأوربية الحديثة إلى أسس الحضارة الإسلامية العربية خاصة عن طريق الفنون، فكان هناك تلاق بين الشرق والغرب اثبتته الوثائق في التاريخ والجغرافيا، واثبتته الفنون التي هي تعد أصدق وأبلغ الوسائل الشاهدة على وجود هذا التلاق والتأثر.
وقد تم الاتصال بين أوروبا والحضارة الإسلامية: عبر ثلاثة معابر، هي:
أ- شبه جزيرة أيبيريا (الأندلس): التي حكمها العرب حوالي ثمانية قرون، ظلت خلالها منارة للعلم والحضارة في أنحاء أوروبا.
ب- صقلية: التي حكمها العرب أيضا حوالي قرنين ونصف القرن، وكانت خلالها أيضا مركزا للإشعاع الحضاري. وحتى بعد أن غزاها النورمان في القرن العاشر الميلادي، شجع ملوك النورمان وعلى رأسهم "روجر الثاني" و"فردريك الثاني" علماء وأدباء المسلمين على مواصلة عطائهم.
ج- بلاد الشرق الأدنى: التي تعرضت للحملات الصليبية على مدى قرنين من الزمان، وهناك اتصلت هذه الأمم الأوروبية بالحضارة الإسلامية. وإن كان تأثير هذا المعبر لم يكن بنفس قوة تأثير بالأندلس وصقلية، لأن الامتزاج الذي حدث في المعبرين الأخيرين لم يتم في زمن الحروب الصليبية.
وهكذا نرى أنه عندما وصل الإسلام واخترق القارة الأوروبية كان اكثرهم تأثرا ثلاث مناطق تتبع إيطاليا وهي صقلية وجزيرة سردينيا وشبه جزيرة إيطاليا، وتراوح الحكم في تلك المناطق بين الأغالبة والفاطميين وحكام ملوك الطوائف الأندلسيين.
وتقول جانيت هوارد، أستاذة التاريخ المعماري في كلية العمارة وتاريخ الفن بجامعة كامبريدج، أن هناك تأثيرا إسلاميا كبيرا على عمارة البندقية وتخطيطها الحضري، بل وذهبت الباحثة ديانا دارك إلى أبعد من ذلك حيث ذكرت في كتابها (السرقة من الساراسين) أن كل شيء مما يعتبر أيقونة للفن المعماري الأوروبي مرّ أصلا بالشرق الأوسط، وقد قدمت حجة دامغة على ذلك، وأحد أفضل الأمثلة هو "القوس المذبب" الذي يعود لزمن مبكر من الفترة الإسلامية، وشوهد في أوروبا الغربية،أن الكثير مما يظن أنه عمارة غربية هو في الواقع أتى من الشرق.
ولقد ظهر تأثر الفن الإيطالي بالعمارة الإسلامية عامة والأندلسية خاصة في عدد من أثارها الخالدة مثل : كنيسة القديس مرقص، ومتاهة الشوارع المتعرجة، وقبة سبوليتو التي تشبه إلى حد كبير مآذنة سنجر الجاولي بالقاهرة المملوكية، وقبة مونت سانت أنجلو،وقصر الدوق وأبراج النواقيس وقبة ليكي، كاتدرائية ميراكولي، وكنيسة سانتا ماريا دي انجاونا، وكاتدرائية مونفيراتو، وقصر روفوللو في رافيللو الذي بني في القرن الحادي عشر، وضجت تفاصيله المعمارية بالزخارف والفنون الإسلامية، وكنيسة سان ماركو بالبندقية.
فانتشرت الزخارف العربية في المدن الإيطالية بكنائس القديس ميخائيل والقديس فرنسيس والقديس دومنيكو في بولونيا، ويعتبر اكثرهم تاثرا بكنيسة سانتا ماريا والتي شيدت على معبد في القرن العاشر الميلادي، على ثلات مراحل للبناء كان أخرهم بالقرن الرابع عشر الميلادي، أما اللوحات الجدارية كلها رسمت في أواخر القرن الثاني عشر وبداية القرن الثاني عشر الميلادي،
كذلك أعجب الإيطاليون بظاهرة معمارية جميلة شاعت في القاهرة المملوكية وهي عبارة عن تبادل طبقات أفقية من احجار قاتمة مع أخرى زاهية الألوان استخدموها في الواجهات المخططة في المباني الرخامية التي شيدت في بيزا وفلورنسا وجنوة ومسينا وغيرها من المدن الإيطالية، ومثل تلك الأبنية المتعددة الألوان موجودة في إقليم الأوفرن ومقاطعة فيلية بجوار اللور الأعلى غربي فرنسا، وفي كنيسة القديس بطرس بنورثمثن، كذلك اتخذوا من أشكال فنون العمارة الإسلامية عمل شرفات على شكل أسنان المنشار، كما آثرت مأذن القاهرة إبان القرنين الرابع والخامس عشر في تصميم أبراج النواقيس في إيطاليا أبان عصر النهضة.
ولقد اتخذ الغرب عامة عن العمارة الإسلامية اشكال المآذن المربعة التي اصبحت فيما بعد أبراجاً للكنائس الغربية، والتي تجسدت بشكل صارخ في برج ساحة القديس مرقص بمدينة سان ماركو بالبندقية، وقد استخدم الغرب أيضاً أحد أهم مميزات العمارة الإسلامية في بناء كنائسهم العقود المدببة، والقوس المدبب حيث حلوا فيه مشكلة السقوف المقصصة والمتقاطعة التي تشكل إحدى وجهات مسجد قرطبة، واتخذوا كذلك شكل المأذن المغربية والذي ظهر جليا في أبراج النواقيس في جنوب إيطاليا، وتأثرت كذلك باحد التصميمات الفاطمية والأيوبية في العمارة وهي بناء الأحواض ذات البرج كما في كنيسة القديس جوفاني، وفي كازالي مونفيراتو بشمال إيطاليا نجد أن الكاتدرائية في تلك المدينة مبنية باروقة تحتوي على أقواس مقتبسة من الفن الإسلامي كما في القبة المقامة فوق الباب الرئيسي لجامع قرطبة الكبير.
وتُعتبر العمارة العثمانية آخر مراحل تطور العمارة الإسلامي، وقد كانت للدولة العثمانية قدرة على إيصالها إلى مختلف القارات بفضل قوتها السياسية وتوسعها العسكري، وانتقلت هي الأخرى من المدن التي حكمها العثمانيين مثل البلقان وصربيا وخيرها لتأثر في سائر دول أوروبا الشرقية.

د. نرمين سعد الدين رسائل هرميس

مقالات الرأي

آخر الأخبار