اعتادت أمي صناعة البهجة و ضخ مفردات العيد في بيتنا ، فتعد الدقيق و الزبد و العسل والمناقيش النحاسية والقوالب استعدادا لطقوس الفرح ، فنلتف حولها و أنا أتطلع بالفوز بقطع عجين لأمارس أحلام براءتي ، حين تمثل بين أناملي أبسط و أرق و أهم خامة طبيعية آمنة تصنع منك فنانا ، إنها وسيلة إنتاج المبدع الصغير ، حيث تجمح مشاعري وينطلق الخيال لأصنع عرائس و طيورا وأشجارا و زهورا وأقلد من هم أكبر مني وأتفنن في صناعة القلوب ، ما أبهاها حين تختمر ، إنها الحيل الإبداعية قبل مرحلة النضج التي تسمح بالتهامها صباحات العيد وفي أمسيات الود ..
أعشق الكعك ، لكن كم أخشى أن يحتل شهادتي في الاختبارات الشهرية دائرة حمراء أسقط فيها رقم يشير إلى الرسوب و الفشل ، لذا يزداد حرصي على النجاح ..
أميل إلى الأشكال الدائرية و الانحناءات الطيعة اللينة فهي تصنع فضاءات الجمال اللامحدود ، لتحقق الانغماس في عالم سرمدي الدفء و العبق يتسلل إلى مسامي ، فينتشي الشريان و الوريد حين تزج الأواني النحاسية في النار ، لتكتسب العجائن لونا ذهبيا وقرمشة تدغدغ مسارات البصر والشم والتذوق ..
أمي تغادر الأرض وتأخذ معها طقوس الود و"اللمة" و أغنيات السمر و سعادة بطعم السكر ، أمي في السماء ترسل ريحان روحها ، المناسبات تتوالى وقد فقدت العجينة السحرية التي بثتها أنامل أمي ، وشكلت كياني و أحلامي ..
لا كعك يسقط في كف الفقراء في أزمنة الفلس والجوع ، لقد تم مصادرة الآدمية و اغتيال الفرح مع سبق الإصرار و الترصد ..