د. رشا محمد تكتب..الثبات في العلاقات: رزق الله الخفي
بوابة المصريينالعلاقات الإنسانية تعد جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان، وقد تكون مصدر سعادة واستقرار أو مصدر قلق وتوتر. ومن أعظم الأرزاق التي يرزقها الله للإنسان هو الثبات في العلاقات الجيدة والمثمرة، تلك التي تدوم وتترك أثرًا إيجابيًا في النفس. هذا النوع من العلاقات لا يظهر للعيان مباشرة، لكنه يعد من الأرزاق الخفية التي تأتي مع الزمن وتبرز من خلال المواقف والتحديات. في هذا المقال، سنتناول أنواع العلاقات المختلفة، السامة والعابرة والجيدة، وكيف أن الثبات في العلاقات يعد رزقًا من الله.
أنواع العلاقات:
1. العلاقات السامة:
هي تلك التي تستنزف الطاقة النفسية والعاطفية للفرد. هذه العلاقات تتسم بعدم الاحترام، والتلاعب، ومحاولة السيطرة، وهي تدفع الشخص نحو الانعزال أو الشعور بالذنب المستمر. في هذه العلاقات، تكون السلبية هي السمة الغالبة، ويجد الشخص نفسه عالقًا في دائرة من الأذى المستمر، سواء كان ذلك من خلال الكلمات أو الأفعال. تنتج هذه العلاقات غالباً عن أنماط نفسية غير صحية، مثل التعلق المفرط أو نقص الثقة بالنفس، وتحتاج إلى وعي وجرأة للخروج منها حفاظًا على الصحة النفسية.
2. العلاقات العابرة:
هي تلك التي تظهر بشكل سريع وتختفي بشكل أسرع. يمكن أن تكون نتيجة ظرف معين أو لقاء عابر. هذه العلاقات قد تكون ممتعة ومثيرة في البداية، لكنها لا تحمل عمقًا كافيًا للاستمرار. غالبًا ما تفتقر هذه العلاقات إلى الالتزام والمودة الحقيقية، وتظل سطحية دون أن تضيف قيمة طويلة الأمد إلى الحياة. رغم أن بعض العلاقات العابرة قد تترك ذكريات جميلة، إلا أنها لا تستطيع تلبية حاجة الإنسان إلى الأمان والاستقرار.
3. العلاقات الجيدة التي تدوم:
هي تلك التي تقوم على الاحترام المتبادل، الثقة، الحب، والدعم. هذه العلاقات تتطلب جهدًا وصبرًا من الطرفين، لكنها تعود بالنفع الكبير على الصحة النفسية والجسدية. إنها علاقات تعزز الشعور بالأمان والانتماء، وتشجع على النمو الشخصي والتطور. في هذه العلاقات، يكون هناك دعم دائم في الأوقات الجيدة والسيئة، مما يجعلها ركيزة أساسية للحياة المتزنة والمستقرة.
الثبات في العلاقات هو نعمة من الله، لا يشعر بها إلا من ذاق مرارة العلاقات السامة والعابرة. عندما تجد شخصًا يظل بجانبك في السراء والضراء، ويساندك دون مصلحة، فإن ذلك يعد من أعظم الأرزاق التي لا تُقدّر بثمن.
في علم النفس الإيجابي، هناك قاعدة شهيرة تُعزز أهمية العلاقات الإيجابية في حياة الإنسان، وهي قاعدة "الاستثمار في العلاقات الاجتماعية" لصاحبها مارتن سليجمان، رائد علم النفس الإيجابي، يرى أن العلاقات الإيجابية تمثل أحد أهم مفاتيح السعادة والرفاهية النفسية، وأن الأشخاص الذين يستثمرون في بناء علاقات صحية ومستدامة يميلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة وإنتاجية.
ولقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على الصداقة الحقيقية التي تقوم على الحب في الله والمودة الصادقة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". في هذا الحديث الشريف، يدعونا النبي إلى اختيار الأصدقاء بعناية لأنهم يؤثرون في سلوكنا وأفكارنا. الصداقة الحقيقية هي تلك التي تقود الإنسان نحو الخير وتعينه على تحديات الحياة.
وختاماً
الثبات في العلاقات يعد من الأرزاق الخفية التي يمنحها الله للإنسان. في خضم العلاقات السامة والعابرة، قد يبدو العثور على علاقة ثابتة ومثمرة أمرًا صعبًا، لكنه في النهاية يبرز كهدية لا تُقدّر بثمن. الاستثمار في العلاقات الإيجابية، كما أكد عليه علم النفس الإيجابي، يعد من مفاتيح السعادة والرفاهية النفسية. وختامًا، تذكر أن العلاقات الجيدة هي تلك التي تدوم وتستند إلى قيم الصداقة الحقيقية التي دعا إليها النبي الكريم.