الأحد، 20 أبريل 2025 12:09 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

أخبار عربية

من السيارات إلى السفن... المغرب يعيد رسم ملامح الصناعة البحرية جنوب المتوسط

بوابة المصريين

في إطار رؤية استراتيجية شاملة لتعزيز سيادته الصناعية والاقتصادية، أطلق المغرب مناقصة دولية لتشغيل أكبر حوض لبناء وصيانة السفن في القارة الإفريقية، يقع في ميناء الدار البيضاء، وتعد هذه المنشأة البحرية الضخمة، التي كلف إنشاؤها نحو 300 مليون دولار، تجسيدا لطموح المملكة في تكرار تجربتها الناجحة في قطاع السيارات، لكن هذه المرة من خلال الصناعات البحرية، وسط منافسة دولية متزايدة على مواقع الصناعات الثقيلة، وتنامي الحاجة إلى تحقيق الاكتفاء في القطاعات الاستراتيجية.

يمتد هذا المشروع الواعد على مساحة تتجاوز 52 فدانا، ويُعد جزءا من تحول جذري في التوجه الصناعي المغربي، يهدف إلى تنويع القاعدة الإنتاجية الوطنية، وتقليص الاعتماد على الخارج، وبناء دعائم السيادة الصناعية والبحرية في آن واحد.

استطاع المغرب خلال العقدين الماضيين أن يتحول إلى منصة صناعية إقليمية بارزة، لاسيما في قطاع صناعة السيارات، حيث أصبح أكبر مصدر لها في إفريقيا بفضل استثمارات كبرى لشركات عالمية مثل "رينو" و"ستيلانتس"، وقد لعبت عوامل عدة في هذا النجاح، من بينها الاستقرار السياسي، وتنافسية الكلفة، وتطور البنية التحتية، خاصة في مجال الموانئ والخدمات اللوجستية.

واليوم، يسعى المغرب إلى نقل هذا النجاح إلى قطاع الصناعات البحرية، من خلال استقطاب مشغلين دوليين ذوي خبرة عبر مناقصة مفتوحة لتطوير وتجهيز واستغلال الحوض الجديد لمدة ثلاثين عاما.

يتميز الحوض الجديد بمواصفات فنية متقدمة، تشمل حوضا جافا بطول 244 مترًا وعرض 40 مترا، إضافة إلى مصعد عمودي ضخم قادر على رفع سفن يصل وزنها إلى 9000 طن، وتتيح هذه الإمكانيات استيعاب مختلف أنواع السفن، بما فيها التجارية والعسكرية وسفن الصيد.

ويكتسب المشروع بعدا دوليا بفضل موقعه الجغرافي المميز على الواجهة الأطلسية، عند تقاطع المسارات البحرية بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وبالقرب من مضيق جبل طارق، ما يجعله نقطة محورية في سلاسل الإمداد العالمية.

لا يقتصر هذا المشروع على تلبية الحاجات الوطنية، بل يضع المغرب في موقع تنافسي مباشر مع أحواض بناء السفن في جنوب أوروبا، مثل تلك الموجودة في إسبانيا وإيطاليا واليونان، والتي تعاني من ارتفاع الكلفة ونقص اليد العاملة، ويستغل المغرب هذا السياق لتقديم خدمات عالية الجودة بتكلفة منخفضة، وفي آجال زمنية أسرع، ما يجعله خيارا مفضلا لشركات الشحن العالمية.

يعتمد المشروع على شبكة مينائية مغربية حديثة وفعالة، على رأسها ميناء طنجة المتوسط، المصنف ضمن الأفضل عالميا من حيث الربط البحري، إضافة إلى موانئ الدار البيضاء، أكادير، الداخلة، والناظور غرب المتوسط (قيد الإنشاء).

كما توفر المملكة حوافز استثمارية مشجعة، تشمل تسهيلات ضريبية، وتبسيط المساطر الإدارية، وتوفير مناطق صناعية قرب الموانئ، ما يساهم في خفض تكاليف التشغيل مقارنة بالدول الأوروبية التي تواجه ارتفاعا في أسعار الطاقة واليد العاملة.

يسعى المغرب إلى ترسيخ مكانته كمركز صناعي وخدماتي رئيسي للسفن الإفريقية المتجهة إلى أوروبا والعائدة منها، مستفيدا من مرور جزء كبير من حركة الملاحة البحرية عبر مياهه الإقليمية، ويوفر هذا الموقع فرصا لتقديم خدمات الإصلاح والصيانة والتزود، دون الحاجة للجوء إلى الموانئ الأوروبية.

وتتمثل رؤية المغرب في بناء منظومة صناعية متكاملة، تربط بين الجنوب والشمال، وتستقطب الفاعلين العالميين في مجال الشحن والخدمات البحرية الباحثين عن الجودة والتكلفة المعقولة، ما سيمكنه تدريجيا من إعادة تشكيل خارطة النفوذ الصناعي واللوجستي جنوب المتوسط.

وفي هذا السياق، يرى الخبير في الاقتصاد البحري والجيو-استراتيجية اللوجستية، عادل الرهوني، أن المشروع يعكس تحركا استباقيا من المغرب نحو الاندماج في سلاسل القيمة المرتبطة بالصناعات البحرية، مضيفا: "إن إنشاء هذا الحوض الضخم، الموجه إلى السوقين الإفريقية والأوروبية، يمثل فرصة استراتيجية للمغرب كي يصبح فاعلا لا غنى عنه في الصناعة والخدمات البحرية جنوب المتوسط."

السيارات السفن المغرب الصناعة البحرية جنوب المتوسط

أخبار عربية

آخر الأخبار