الإثنين، 28 أبريل 2025 06:34 مـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

أخبار عربية

ترسيخ الحكم الذاتي كخيار واقعي.. الكاتب المغربي عبدالهادي مزراري يعري تناقضات الخطاب الانفصالي

بوابة المصريين

شهدت قضية الصحراء المغربية تطورات لافتة في السنوات الأخيرة، أعادت رسم ملامح الملف بشكل واضح، خصوصا بعد التراجع الهام في عدد الدول التي كانت تعترف بجبهة البوليساريو ككيان انفصالي، وتنامي الدعم الدولي للمقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، هذه المتغيرات تشكل اليوم أرضية جديدة لقراءة ملف الصحراء المغربية من زاوية مختلفة، تبرز فيها ملامح الحسم الميداني والدبلوماسي لصالح الرباط.

أمام هذا الزخم، بدت الجبهة الانفصالية عاجزة عن مجاراة هذه التطورات، خطابها المنتمي إلى أدبيات الحرب الباردة، والذي كان يصر على الانفصال بات بعيدا عن الواقعية السياسية، في وقت يعيش فيه سكان مخيمات تندوف أوضاعا اقتصادية واجتماعية مأزومة، وسط غياب أفق سياسي واضح واحتقان متزايد بلغ حد الاحتجاجات والانتقادات العلنية من قبل الانفصاليين أنفسهم، ووسط هذه الأوضاع، تآكلت مصداقية القيادة الانفصالية خاصة مع تصاعد الاتهامات بتوجهاتها الإرهابية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان داخل المخيمات بالإضافة إلى التهريب والاتجاربالمساعدات.

هذا الضعف لا يتجلى فقط في فشلها في كسب تأييد دولي وازن يدعم مطلبها بالانفصال، بل باتت مهددة بتصنيفها منظمة إرهابية، إذ برز تصريح لافت لمسؤول أمريكي مؤخرا يلمح إلى إمكانية تصنيف الجبهة كمنظمة إرهابية في المستقبل القريب إذا ما استمرت في تبني النهج المسلح وتهديد استقرار المنطقة، هذا التصريح الذي أثار اهتمام المتابعين، لم يأت من فراغ، بل جاء في سياق التوترات المتصاعدة في المنطقة العازلة شرق الجدار الدفاعي، حيث تكررت تقارير عن عمليات عسكرية وتجنيد عناصر مقاتلة، وهو ما يعتبره مراقبون خروجا عن الالتزامات بوقف إطلاق النار الموقع سنة 1991 تحت إشراف الأمم المتحدة، إذن تصنيف الجبهة كتنظيم إرهابي سيضعها أمام مفترق طرق حاسم، إما مراجعة إستراتيجيتها والانخراط بجدية في مسار تفاوضي على مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، أو مواجهة عزلة دولية متزايدة قد تعصف بما تسميه "مشروعها الانفصالي".

في هذا الصدد، أكد الكاتب الصحفي المغربي عبد الهادي المزراري في مداخلة وازنة تعبر عن ثبات الموقف المغربي من قضية الصحراء، أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب يندرج ضمن تصور واضح ومتناسق، يقوم على مبدأ لا رجعة فيه، وهو أن الحل يجب أن يكون تحت السيادة المغربية، ولا شيء غير ذلك، المغرب، حسب تعبيره، لم ولن يقبل بأي مقاربة تمس وحدته الترابية، بل إن طرح الحكم الذاتي كان من باب الحسم واليقين، كما شدد سابقا وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، معتبرا أن الحكم الذاتي ليس بداية للنقاش بل نهايته.

المزراري أشار إلى أن المغرب لم يستجد يوما مواقف الدول، بل هو من قرر، بكل سيادة، ألا يتعامل مع أي دولة إلا من منطلق اعترافها الصريح بمغربية الصحراء، وذكر بأن المغرب هو أول من بادر إلى طرح قضية تصفية الاستعمار لدى اللجنة الأممية الخاصة في ستينيات القرن الماضي، لأن الاستعمار الحقيقي حينها كان هو الاحتلال الإسباني، الذي انسحب من الإقليم في سياق تسليم للواقع التاريخي والجغرافي، وليس بمحض إرادته.

في المقابل، يرى المزراري أن جبهة البوليساريو الانفصالية تعيش عزلة دولية متزايدة، وتعاني من تآكل داخلي واضح، وهو ما يظهر في تهربها منذ البداية من إجراء إحصاء شفاف لسكان مخيمات تندوف، لأن أغلبهم لا ينحدرون أصلا من الأقاليم الصحراوية، بل من دول مجاورة، ما يفقد الجبهة شرعيتها في تمثيل الصحراويين، كما شدد على أن الجبهة لا تمثل الأغلبية الساحقة من أبناء الصحراء، الذين اختاروا العودة إلى وطنهم الأم، المغرب، والاستفادة من مشاريع التنمية والبنية التحتية التي تحلت بها المدن الصحراوية إلى أقطاب اقتصادية.

المزراري لم يغفل الإشارة إلى الملفات الحقوقية والانتهاكات التي تورطت فيها البوليساريو، مستشهدا بقضية القيادي السابق مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، الذي تم اعتقاله سنة 2010 بعد دعوته للتفكير في مقترح الحكم الذاتي، خلال زيارة نظمها برنامج تابع للأمم المتحدة، وقال إن إطلاق سراحه لم يتم إلا بضغط من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وهو اليوم لاجئ سياسي في موريتانيا، هذه الواقعة، تجسد الطبيعة القمعية للجبهة وتؤكد أن الصوت الحر مرفوض في مخيمات تندوف.

وفي قراءة لتداعيات هذا الوضع، نبه المزراري إلى أن البوليساريو قد يندرج قريبا على لوائح التنظيمات الإرهابية، وذلك بناء على تصريحات لمسؤولين دوليين واعترافات من قيادات سابقة ساهمت في تأسيس الجبهة الذين أقروا بوقوع تجاوزات خطيرة وجرائم داخل المخيمات.

وفي تحليله للتوازنات العسكرية، أكد أن المغرب هو الطرف الأكثر انضباطا رغم تحرشات البوليساريو المتكررة، فالمملكة محصنة أمنيا وعسكريا، وتمسك بزمام المبادرة والردع، لكنها في الوقت نفسه تتحلى بضبط النفس، إيمانا منها بأن المعركة الحقيقية اليوم هي معركة دبلوماسية وتنموية وليست عسكرية.

كما شدد المزراري على أن تندوف تحولت إلى بؤرة توتر خطيرة، تهدد الأمن الإقليمي برمته، خاصة في ظل تقاطع مصالح شبكات الجريمة المنظمة والإرهاب العابر للحدود، في المقابل، يبني المغرب مشروعيته على خمسين سنة من العمل المتواصل والمبادرات الواقعية، سواء عبر المسار الأممي أو من خلال مشاريع التنمية في الأقاليم الجنوبية.

واختتم المزراري مداخلته بالإشارة إلى أن الذين يرفعون شعار "تقرير المصير" ويدعون الدفاع عن حقوق الشعوب، عليهم أن يكونوا منسجمين مع أنفسهم، وأن يطالبوا بحقوق شعوب أخرى، مثل الأكراد والباسك والقبائل وتغراي، فمصداقية المواقف تقاس بمعايير موحدة، وليس بازدواجية الخطاب والمصالح الضيقة.

المغرب برؤيته المستقبلية، يفرض واقعا على الأرض، يرسخ وجوده في الأقاليم الجنوبية بمشاريع تنموية واقتصادية كبرى، بينما تبدو خيارات الحركة الانفصالية منحصرة في أعمالها الإرهابية، ومن هنا، فإن التوازنات الجديدة لا تترك مجالا كبيرا للمناورة، بل تفتح الباب أمام مرحلة جديدة قد تكون بداية النهاية لحلم المشروع الانفصالي، وبداية ترسيخ حل دائم وشامل للحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.

هند الصنعاني قضية الصحراء المغربية الكاتب المغربي عبدالهادي مزراري الخطاب الانفصالي

أخبار عربية

آخر الأخبار