رسالة إلى الحبيب محمد بن عيسي.. بعد شهر وأنت تسمو في سماك


أنت جديرٌ بالحياة، ونعيُك أمس إجراءٌ للطبيعة بحتمية فناء المادي. لذا ما غاب منك الآن هو الجسد، فقط، فيما كلُّ ما فيك، ومنك، وجهُك، قولُك، صوتُك، مهابتُك، بساطتُك، انشراحُك، ترحيبُك، جلوسًا يكونون فجأة جمعهُم، فرادى، صفوف، تُطِلُّ ها هم وقوف؛ فما هو منك، إليك، باقٍ حيّ، أبقى منا نحن الذين شيعّنا أنفسنا في جنازتك المفترضة، وحقّك جديرةٌ بك هي الحياة.
يقينًا لم يكن حلمًا، فالحلم إذ نستيقظ صباحًا يختفي، وأنا الآن في منتهى الصّحو يقظًا أبلُغ إلى أصيلة، وبمدخلها ألقاك، يسبِقك افترارُ محيّاك، وحولك طوْقُ الأهِلّة والكواكب تقبِس منك المحبة، قد اتسعت عليها الرؤية فتفرك العيون حتى تراك، وتمشون خِفافًا: نبيٌّ وأبيٌّ وملاك. ليوبولد سنغور، تشيكايا أوتامسي، في الحضرة محمود درويش وأدونيس، من كل بلاد عربية شاعر سفيرها، بعد عكاظ بنيتَ كعبة للشعراء، وبلدةٌ بحجم قُبلة على شفتين، صيّرتَها الأمم المتحدة للمفكرين والفنانين والنّبغاء، وّإذ أهلّ الطيب صالح حُجّةُ الرواية والسودان غَشت أصيلة عمامتُه مُزُنًا بيضاء.
يقينًا إنك حيٌّ وليتّهمني من شاء بالإرجاف، الله وحدَه أخاف، وحقِّه بين الرباط وباريسَ دارت علينا كأسُ المحبة سُلاف. لستُ وحدي، من هُم قبلي وسيبقون بعدي شهودًا فلاسمك هذا الهتاف. لم يكن نحيبًا أبدًا توديعك، أكاد أقول رأيت الملائكة وشرفاء العيساوية يرحّبون بوصولك إلى سمائهم في اصطفاف، والثرى سمعت همسَه يا محمد سليل الأشراف تأخرتَ عني أنا أمُّك يا قُرّة العين حان أوان الطواف.
شهرٌ تصرّم مثل عُمرٍ أم دهرٍ أقصرُ منه خفقة طير، فإن عيني ما أُُغلقتا دونك ولا سلا القلب عنك، ثق ربُّك الذي يحبّك اصطفاك، وأزفُّ إليك قبل أن تحين ساعة لقياك، بشرى تسقي تُربك، فالولد الذي نفخت في رحم أصيلة من موهبتك اشتدّ عوده وتولّى حاتم البطيوي الأمر، لن أقول بعدك، ستكون وتبقى له عضدًا وأنت في علاك، هو وصحبُه يعاهدونك مع خير من في السماء.